فصل: قال حقي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَّا في الأَرْضِ جَمِيعًا}.
سخر لهم جميع المخلوقات على معنى حصول انتفاعهم بكل شيء منها، فعلى الأرض يستقرون وتحت السماء يسكنون، وبالنجم يهتدون، وبكل مخلوق بوجه آخر ينتفعون، لا بل ما من عين وأثر فكروا فيه إلا وكمال قدرته وظهور ربوبيته به يعرفون.
ويقال مَهَّدَ لهم سبيل العرفان، ونبَّهَهُم إلى ما خصَّهم به من الإحسان، ثم علمهم علوَّ الهمة حيث استخلص لنفسه أعمالهم وأحوالهم فقال: {لاَ تَسْجُدُوا للشَّمْسِ وَلاَ لِلقَمَرِ} [فصلت: 37].
قوله جلّ ذكره: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ}.
فالأكوان بقدرته استوت، لا أن الحق سبحانه بذاته- على مخلوق- استوى، وأَنَّى بذلك! والأحدية والصمدية حقه وما توهموه من جواز التخصيص بمكان فمحال ما توهموه، إذ المكان به استوى، لا الحق سبحانه على مكانٍ بذاته استوى.

.لطيفة: في ثم للترتيب مع التراخي:

قال العلامة الزركشي:
وأما قوله: {لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى} [طه: 82] والهداية سابقة على ذلك فالمراد: ثم دام على الهداية؛ بدليل قوله: {وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا} [المائدة: 93].
وقد تأتي لترتيب الأخبار لا لترتيب المخبر عنه كقوله تعالى: {فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد} [يونس: 46].
وقوله تعالى: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه} [هود: 90] وتقول زيد عالم كريم ثم هو شجاع.
قال ابن بري: قد تجيء ثم كثيرًا لتفاوت ما بين رتبتين في قصد المتكلم فيه تفاوت ما بين مرتبتي الفعل مع السكوت عن تفاوت رتبتي الفاعل كقوله تعالى: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام: 1] ف {ثم} هنا لتفاوت رتبة الخلق والجعل من العدل، مع السكوت عن وصف العادلين، ومثله قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة} إلى قوله: {ثم كان من الذين آمنوا} [البلد: 11: 17].
دخلت لبيان تفاوت رتبة الفك والإطعام من رتبة الإيمان إلا أن فيها زيادة تعرض لوصف المؤمنين بقوله: {وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة} [البلد: 17].
وذكر غيره في قوله تعالى: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام: 1] أن {ثم} دخلت لبعد ما بين الكفر وبين خلق السموات والأرض.
وعلى ذلك جرى الزمخشري في مواضع كثيرة من الكشاف.. كقوله تعالى: {لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى} [طه: 82].
وقوله: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} [الأحقاف: 13].
قال: كلمة التراخي دلت على تباين المنزلتين، دلالتها على تباين الوقتين في جاءني زيد ثم عمر و- أعني أن منزلة الاستقامة على الخير مباينة لمنزلة الخير نفسه.. لأنها أعلى منها وأفضل، ومنه قوله تعالى: {إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر}. [المدثر 18: 20].
إن قلت: ما معنى {ثم} الداخلة في تكرير الدعاء؟ قلت: الدلالة على أن الكرة الثانية من الدعاء أبلغ من الأولى.
وقوله: {ثم كان من الذين آمنوا} [البلد: 17]، قال: جاء ب {ثم} لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفصيلة على العتق والصدقة لا في الوقت لأن الإيمان هو السابق المقدم على غيره.
وقال الزمخشري في قوله تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا} [النحل: 123] إن {ثم} هذه: فيها من تعظيم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم وإجلالً محله والإيذان بأنه أولى وأشرف ما أوتي خليل الله إبراهيم من الكرامة، وأجل ما أوتي من النعمة أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ملته.
واعلم أنه بهذا التقدير يندفع الاعتراض بأن {ثم} قد تخرج عن الترتيب والمهلة وتصير كالوا ولأنه إنما يتم على أنها تقتضي الترتيب الزماني لزومًا.. أما إذا قلنا: إنها ترد لقصد التفاوت والتراخي عن الزمان لم يحتج إلى الانفصال عن شيء مما ذكر من هذه الآيات الشريفة لا أن تقول: إن {ثم} قد تكون بمعنى الواو، والحاصل أنها للتراخي في الزمان وهو المعبر عنه بالمهلة وتكون للتباين في الصفات وغيرها من غير قصد مهلة زمانية.. بل ليعلم موقع ما يعطف بها وحاله وأنه لو انفرد لكان كافيًا فيما قصد فيه.. ولم يقصد في هذا ترتيب زماني بل تعظيم الحال فيما عطف عليه وتوقعه وتحريك النفوس لاعتباره.
وقيل تأتي للتعجب نحو {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام: 1].
وقوله: {ثم يطمع أن أزيد كلا} [المدثر: 15: 16].
وقيل بمعنى وا والعطف كقوله: {فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد} [يونس: 46] أي وهو شهيد.
وقوله: {ثم إن علينا بيانه} [القيامة: 19].
والصواب أنها على بابها لما سبق قبله.
وقوله: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا} [الأعراف: 11] وقد أمر الله الملائكة بالسجود قبل خلقنا.. فالمعنى وصورناكم.
وقيل على بابها والمعنى: ابتدأنا خلقكم لأن الله تعالى خلق آدم من تراب ثم صوره وابتدع خلق الإنسان من نطفة ثم صوره.
وأما قوله: {خلقكم من طين ثم قضى أجلًا} [الأنعام: 2] وقد كان قضى الأجل فمعناه أخبركم أني خلقته من طين ثم أخبركم أني قضيت الأجل كما تقول: كلمتك اليوم ثم كلمتك أمس.. أي أني أخبرك بذاك ثم أخبرك بهذا وهذا يكون في الجمل فأما عطف المفردات فلا تكون إلا للترتيب قاله ابن فارس.. قيل وتأتي زائدة كقوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} إلى قوله: {ثم تاب عليهم} [التوبة: 118] لأن تاب جواب {إذا} من قوله: {حتى إذا ضاقت} [التوبة: 18] وتأتي للإستئناف كقوله تعالى: {وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} [آل عمران: 111]. اهـ.

.قال الإمام ابن القيم:

يا من هو من أرباب الخبرة هل عرفت قيمة نفسك، إنما خلقت الأكوان كلها لك يا من غذى بلبان البر، وقلب بأيدي الألطاف، كل الأشياء شجرة وأنت الثمرة، صورة وأنت المعنى، وصدف وأنت الدر، ومخيض وأنت الزبد.
منشور اختيارنا لك واضح الخط، ولكن استخراجك ضعيف، متى رمت طلبي فاطلبني عندك.
ويحك لو عرفت قدر نفسك ما أهنتها بالمعاصي، وإنما أبعدنا إبليس، لأنه لم يسجد لك وأنت في صلب أبيك، فوا عجبا كيف صالحته وتركتنا.
{وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عد وبئس للظالمين بدلًا} [الكهف: 50].
لو كان في قلبك محبة لبان أثرها على جسدك. اهـ.
وقال السلمى:
وقيل: خلق لكم ما في الأرض ليَعُدَّ نعمه عليكم فيقتضى الشكر من نفسك لطلب المزيد منه.
قال أبو عثمان:
وقال ابن عطاء: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} ليكون الكون كله لك وتكون لله كلًا فلا تشتغل عمن أنت له. اهـ.

.قال حقي:

فرية والرد عليها:
وقال في التيسير: أهل الإباحة من المتصوفة الجهلة المراد طائفة شاذة حملوا اللام في لكم في قوله تعالى: {ه والذي خلق لكم} على الإطلاق والإباحة وقالوا لا حظر ولا نهى ولا أمر، فإذا تحققت المعرفة وتأكدت المحبة، سقطت الخدمة وزالت الحرمة، فالحبيب لا يكلف حبيبه ما يتعبه ولا يمنعه ما يريده ويطلبه، وهذا منهم كفر صريح، وقد نهى الله تعالى وأمر وأباح وحظر ووعد وأوعد وبشر وهدد، والنصوص ظاهرة والدلائل متظاهرة، فمن حمل هذه الآية على الاباحة المطلقة، فقد انسلخ من الدين بالكلية. انتهى كلام التيسير. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} الآية:
أفرد هنا تعالى لفظ {السَّمَاءِ} ورد عليه الضمير بصيغة الجمع في قوله: {فَسَوَّاهُنَّ} وللجمع بين ضمير الجمع ومفسره المفرد وجهان:
الأول: إن المراد بالسماء جنسها الصادق بسبع سموات وعليه فأل جنسية.
الثاني: أنه لا خلاف بين أهل اللسان العربي في وقوع إطلاق المفرد وإرادة الجمع مع تعريف المفرد وتنكيره وإضافته، وهو كثير في القرآن العظيم وفي كلام العرب.
فمن أمثلته في القرآن واللفظ معرف قوله تعالى: {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} أي بالكتاب كلها بدليل قوله تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِه} وقوله: {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} وقوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} يعني الأدبار، كما هو ظاهر، وقوله تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} يعني الغرفات بدليل قوله تعالى: {لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} وقوله تعالى: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} وقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} أي الملائكة بدليل قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} وقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا} الآية، يعني الأطفال الذين لم يظهروا، وقوله تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} الآية يعني الأعداء.
ومن أمثلته واللفظ منكر قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} يعني وأنهار بدليل قوله تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} الآية، وقوله تعالى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} يعني أئمة، وقوله تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} يعني سامرين، وقوله: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} يعني أطفالا، وقوله: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} أي بينهم، وقوله تعالى: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} أي رفقاء، وقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} أي جنبين أو أجنابا وقوله: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} أي ظاهرون لدلالة السياق فيها كلها على الجمع.
واستدل سيبويه لهذا بقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} أي أنفسا.
ومن أمثلته واللفظ مضاف قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيفِي} الآية، يعني أضيافي، وقوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} الآية أي أوامره وأنشد سيبويه لإطلاق المفرد وإرادة الجمع قول الشاعر، وهو علقمة بن عبدة التميمى:
فبيض وأما جلدها فصليب ** بها جيف الحسرى فأما عظامها

يعني وأما جلودها فصليبة.
وأنشد له أيضا قول الآخر:
فإن زمانكم زمن خميص ** كلوا في بعض بطنكم تعفوا

يعنى في بعض بطونكم.
ومن شواهده قول عقيل بن علفة المرى:
وكنت لهم كشر بني الأخينا ** وكان بنو فزاره شر عم

يعنى شر أعمام.
وقول العباس بن مرداس السلمي:
وقد سلمت من الإحن الصدور ** فقلنا أسلموا أنا أخوكم

يعني أنا إخوانكم.
وقول الآخر:
إن العواذل ليس لي بأمير ** يا عاذلاتي لا تردن ملامة

يعني لسن لي بأمراء.
وهذا في النعت بالمصدر مطرد كقول زهير:
هم بيننا هم رضى وهم عدل ** متى يشتجر قوم يقل سرواتهم

ولأجل مراعاة هذا لم يجمع في القرآن السمع والطرف والضيف لأن أصلها مصادر كقوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} وقوله: {لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ} وقوله تعالى: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} وقوله: {إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيفِي}. اهـ.

.من فوائد البيضاوي في الآية:

قال رحمه الله:
{هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَّا في الأرض جَمِيعًا} بيان نعمة أخرى مرتبة على الأولى، فإنها خلقهم أحياء قادرين مرة بعد أخرى، وهذه خلق ما يتوقف عليه بقاؤهم وتم به معاشهم. ومعنى {لَكُمْ} لأجلكم وانتفاعكم في دنياكم باستنفاعكم بها في مصالح أبدانكم بوسط أو بغير وسط، ودينكم بالاستدلال والاعتبار والتعرف لما يلائمها من لذات الآخرة وآلامها، لا على وجه الغرض، فإن الفاعل لغرض مستكمل به، بل على أنه كالغرض من حيث إنه عاقبة الفعل ومؤداه وهو يقتضي إباحة الأشياء النافعة، ولا يمنع اختصاص بعضها ببعض لأسباب عارضة، فإنه يدل على أن الكل للكل لا أن كل واحد لكل واحد. وما يعم كل ما في الأرض، إلا إذا أريد بها جهة السفل كما يراد بالسماء جهة العلو. وجميعًا: حال من الموصول الثاني.
{ثُمَّ استوى إِلَى السماء} قصد إليها بإرادته، من قولهم استوى إليه كالسهم المرسل، إذا قصده قصدًا مستويًا من غير أن يلوي على شيء. وأصل الاستواء طلب السواء، وإطلاقه على الاعتدال لما فيه من تسوية وضع الأجزاء، ولا يمكن حمله عليه لأنه من خواص الأجسام وقيل استوى أي: استولى ومَلَكَ، قال:
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ على العِرَاق ** مِنْ غَير سَيْفٍ ودَمٍ مُهْرَاقِ

والأول أوفق للأصل والصلة المعدى بها والتسوية المترتبة عليه بالفاء، والمراد بالسماء هذه الأجرام العلوية، أو جهات العلو، و{ثُمَّ} لعله لتفاوت ما بين الخلقين وفضل خلق السماء على خلق الأرض كقوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين ءامَنُواْ} لا للتراخي في الوقت، فإنه يخالف ظاهر قوله تعالى: {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها} فإنه يدل على تأخر دحو الأرض المتقدم على خلق ما فيها عن خلق السماء وتسويتها، إلا أن تستأنف بدحاها مقدرًا لنصب الأرض فعلًا آخر دل عليه {أَاَنتم أَشَدُّ خَلْقًا} مثل تعرف الأرض وتدبر أمرها بعد ذلك لكنه خلاف الظاهر.
{فَسَوَّاهُنَّ} عدلهن وخلقهن مصونة من العوج والفطور. و{هُنَّ} ضمير السماء إن فسرت بالأجرام لأنه جمع. أو هو في معنى الجمع، وإلا فمبهم يفسره ما بعده كقولهم: ربه رجلًا.
{سَبْعَ سموات} بدل أو تفسير. فإن قيل: أليس إن أصحاب الأرصاد أثبتوا تسعة أفلاك؟ قلت: فيما ذكروه شكوك، وإن صح فليس في الآية نفي الزائد مع أنه إن ضم إليها العرش والكرسي لم يبق خلاف.
{وَهُوَ بِكُلّ شيء عَلِيمٌ} فيه تعليل كأنه قال: ولكونه عالمًا بكنه الأشياء كلها، خلق ما خلق على هذا النمط الأكمل والوجه الأنفع، واستدلال بأن من كان فعله على هذا النسق العجيب، والترتيب الأنيق كان عليمًا، فإن إتقان الأفعال وإحكامها وتخصيصها بالوجه الأحسن الأنفع، لا يتصور إلا من عالم حكيم رحيم، وإزاحة لما يختلج في صدورهم من أن الأبدان بعدما تبددت، وتفتتت أجزاؤها، واتصلت بما يشاكلها، كيف تجمع أجزاء كل بدن مرة ثانية بحيث لا يشذ شيء منها، ولا ينضم إليها ما لم يكن معها فيعاد منها كما كان، ونظيره قوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} وعلم أن صحة الحشر مبنية على ثلاث مقدمات، وقد برهن عليها في هاتين الآيتين: أما الأولى فهي: أن مواد الأبدان قابلة للجمع والحياة وأشار إلى البرهان عليها بقوله: {وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} فإن تعاقب الافتراق والاجتماع والموت والحياة عليها يدل على أنها قابلة لها بذاتها، وما بالذات يأبى أن يزول ويتغير. وأما الثانية والثالثة: فإنه عز وجل عالم بها وبمواقعها، قادر على جمعها وإحيائها، وأشار إلى وجه إثباتهما بأنه تعالى قادر على إبدائها وإبداء ما هو أعظم خلقًا وأعجب صنعًا فكان أقدر على إعادتهم وإحيائهم، وأنه تعالى خلق ما خلق خلقًا مستويًا محكمًا من غير تفاوت واختلال مراعٍ فيه مصالحهم وسد حاجاتهم. وذلك دليل على تناهي علمه وكمال حكمته جلت قدرته ودقت حكمته. اهـ.